فصل: قال الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة المعارج:
{سأل سائل} [1] دعا داعٍ، وهو النبي عليه السلام، دعا عليهم. وقيل: النضر بن الحارث، قال: {إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء}، فقتل يوم بدر.
{ذي المعارج}.[3] ذي المعالي والدرجات لأوليائه. وقيل: إنها معارج السماء للملائكة.
{تعرج الملائكة والروح إليه} [4] هو روح المؤمن حين يقبض، رواه قبيصة بن ذؤيب عن النبي عليه السلام.
{في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}[4] أي: لو صعده غير الملائكة، وقد مر ذكره.
{كالمهل} [8] كذائب الصفر، ويكون أحمر. وقيل: إنه دردي الزيت. والعهن: الصوف المصبوغ، والمراد: لين الجبال بعد شدتها واجتماعها.
{وفصيلته} [13] عشيرته، وتكون من العشيرة كالفخذ.
{تئويه} [13] يلجأ إليها فتلجئه، ويشكو فتشكيه. وقيل: إن الفصيلة هي أمه التي أرضعته وفصلته، فعيلة بمعنى فاعلة، وفي معنى الآية قال الشاعر:
سائل مجاور جرم هل جنيت لهم ** حربا تزيل بين الجيرة الخلط

{كلا} [15] ليس كذلك، أي: لا ينجيه شيء.
{إنها لظى} [15] لا ينصرف للتأنيث والتعريف، وهي من الالتظاء، أي: الاتقاد.
هم ردوا النقائد يوم حسي ** يقودون الجياد على وجاها

وبيضة طيء نضوا وكانت ** قديما تلتظي بــمن اصطلاها

{نزاعة للشوى} [16] لجلدة الرأس. والضمير في (إنها) اسم (أن)، و(لظى) خبره، و{نزاعة} خبر بعد خبر، من باب إنه حلو حامض.
{تدعوا من أدبر} [17] لما كان مصيره إليها، كانت كأنها دعته.
{وجمع فأوعى} [18] أي: جعله في وعاء، فلم يفعل زكاة، ولم يصل رحما.
{خلق هلوعا} [19] سأل محمد بن عبد الله بن طاهر ثعلبا: عن الهلوع؟ فقال: ما فسره الله، ولا يكون تفسيرا أحسن منه: {إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا} [20، 21].
{والذين هم على صلاتهم يحافظون} [34] أي: النافلة، لتقدم قوله: {على صلاتهم دائمون} [23] وهي: الفريضة.
{مهطعين} [36] مسرعين، ذم إسراعهم، لأن قصدهم تسمع الحديث، ليتفرقوا بالتكذيب.
{عزين} [37] جماعات في تفاريق، واحدها عزة. قال الشاعر:
ترانا عنده والليل داج ** على أبوابه حلقا عزينا

{إلى نصب} [43] إلى شيء منصوب، مصدر بمعنى المفعول، مثل نسج بغداد، وضرب الأمير.
{يوفضون} [43] يسرعون.
تمت سورة المعارج. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة المعارج:
{كلاّ إِنّها لظى نزّاعة لِّلشّوى}
قال: {كلاّ إِنّها لظى} {نزّاعة لِّلشّوى} نصب على البدل من الهاء وخبر (أن) {نزاعةٌ} وان شئت جعلت {لظى} رفعا على خبر {إِنّ} ورفعت (النزّاعة) على الابتداء.
{إِنّ الإِنسان خُلِق هلُوعا}
وقال: {إِنّ الإِنسان خُلِق هلُوعا} ثم قال: {إِلاّ الْمُصلِّين} [22] فجعل {الإِنْسان} جميعا ويدلك على ذلك انه قد استثنى منه جميعا.
{فمالِ الّذِين كفرُواْ قِبلك مُهْطِعِين عنِ الْيمِينِ وعنِ الشِّمالِ عِزِين}
وقال: {فمالِ الّذِين كفرُواْ قِبلك مُهْطِعِين} {عنِ الْيمِينِ وعنِ الشِّمالِ عِزِين} كما تقول (ما لك قائِما) وواحدةُ (العِزِين): العِزةُ. مثل (ثُبة) و(ثُبِين). اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة المعارج:
مكية.
1- و2- و3- {سأل سائِلٌ}: {سأل سائل}. أي دعا داع، {بِعذابٍ واقِعٍ}، {لِلْكافِرين ليْس لهُ دافِعٌ}، {مِن اللّهِ ذِي الْمعارِجِ} يريد: معارج الملائكة.
وأصل (المعارج): الدّرج، وهو من (عرج): إذا صعد.
8- {المهل}: ما أذيب من الفضة والنّحاس.
9- {وتكُونُ الْجِبالُ كالْعِهْنِ} أي كالصوف. وذلك: أنها تبسّ.
10- و11- {ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما} أي لا يسأل ذو قرابة عن قرابته، ولكنهم {يُبصّرُونهُمْ} أي يعرفونهم.
13- {وفصِيلتِهِ}: عشيرته الأدنون.
16- {نزّاعة لِلشّوى} يريد: جلود الرءوس. واحدها: (شواة).
19- (الهلوع): الشديد الجزع. والاسم (الهلاع). ومنه يقال:
ناقة هلواع، إذا كانت ذكية حديدة النفس.
ويقال: (الهلوع): الضّجور.
37- {عِزِين} جمعات.
43- {كأنّهُمْ إِلى نُصُبٍ} و(النّصب): حجر ينصب ويذبح عنده، أو صنم يقال له: نصب ونصب ونصب. {يُوفِضُون}: يسرعون.
و(الإيفاض): الإسراع. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة المعارج:
1 {سأل سائِلٌ}: دعا داع وهو النّبيّ عليه السلام، دعا عليهم.
وقيل: النّضر بن الحارث قال: {إِنْ كان هذا هُو الْحقّ مِنْ عِنْدِك فأمْطِرْ عليْنا حِجارة} فقتل يوم بدر هو وعقبة.
3 {ذِي الْمعارِجِ}: ذي المعالي والدّرجات لأوليائه، أو هي معارج السّماء للملائكة.
4 {والرُّوحُ إِليْهِ}: هو روح المؤمن حين يقبض. رواه قبيصة بن ذؤيب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
{فِي يوْمٍ كان مِقْدارُهُ خمْسِين ألْف سنةٍ}: لو صعده غير الملائكة.
8 {كالْمُهْلِ}: كذائب الصفر.
والعهن: الصّوف المصبوغ، والمعنى: لين الجبال وتفتتها بعد شدّتها واجتماعها.
و(الفصيلة) من العشيرة كالفخذ من القبيلة.
13 {تُؤْوِيهِ}: يلجأ إليه فتلجئه. وقيل: الفصيلة الأمّ التي أرضعته وفصلته.
15 {كلّا}: ليس كذا، أي: لا ينجيه شيء.
{إِنّها لظى}: لا تنصرف لظى للتأنيث والتعريف، والالتظاء: الاتقاد.
16 {نزّاعة لِلشّوى}: لجلدة الرأس.
17 {تدْعُوا منْ أدْبر}: لما كان مصيره إليها كانت كأنها دعته.
18 {فأوْعى}: جعله في وعاء فلم يفعل زكاة ولم يصل رحما.
19 {هلُوعا}: سأله محمد بن عبد اللّه ثعلبا فقال: ما فسّره اللّه به {إِذا مسّهُ الشّرُّ...} الآيتان.
34 {على صلاتِهِمْ يُحافِظُون}: النّافلة، والأولى الفريضة.
36 {مُهْطِعِين}: مسرعين لتسمّع الحديث.
37 {عِزِين}: جماعات في تفاريق. جمع (عزة). وجلس رجل خلف أخيه فقال عليه السلام: «لا تكونوا عزين كخلق الجاهليّة».
43 {إِلى نُصُبٍ}، ونصب معا، شيء منصوب مصدر بمعنى المفعول ك (نسج بغداد).
{يُوفِضُون}: يسرعون. وفض يفض وأوفض يوفض. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة المعارج:
عدد 29 و79 و70.
نزلت بمكة بعد الحاقة.
وهي أربع وأربعون آية.
ومائتان وأربع وعشرون كلمة.
وتسعمائة وتسعة وعشرون حرفا.
وتسمى سورة المواقع.
ولا يوجد سورة مبدوءة بما بدئت به ولا مثلها في عدد الآي.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
قال تعالى: {سأل سائِل بِعذابٍ واقِعٍ 1} لما خوف حضرة الرسول قومه بعذاب اللّه ّه وعظمه أمامهم إذا هم لم يؤمنوا ويكفوا عما يصمونه به من الشعر والكهانة المشار إليهما في السورة المارة، ولهذه المناسبة قد نزلت هذه بعدها، لأن ما بين كل سورة وأخرى لابد من وجود مناسبة.

.مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

قال بعضهم لبعض ما هو العذاب الذي يهددنا به ولمن يكون يا ترى، وهل يمكن الاتقاء منه أم لا؟ فأنزل اللّه هذه السورة معلنا أنه {لِلْكافِرين ليْس لهُ دافِعٌ} 2 إذا وقع لأنه {مِن اللّهِ ذِي الْمعارِجِ} 3 المصاعد والمراقي التي تصعد عليها الملائكة إلى السماء، فلو كان من غيره لأمكن أن يكون له دافع، أما هو فلا، كيف وهو الذي {تعْرُجُ الْملائِكةُ والرُّوحُ} جبريل عليه السلام وخصه بالذكر مع أنه داخل مع الملائكة لشرفه وفضله عليهم أجمع {إِليْهِ} جل شأنه على تلك المعارج {فِي يوْمٍ كان مِقْدارُهُ خمْسِين ألْف سنةٍ 4} من سني الدنيا بحيث لو صعد غير الملك من منتهى أسفل الأرض إلى غاية علو تلقي أمر اللّه تعالى لما وصل إلا بتلك المدة، أما الملك فإنه يقطعها بيوم زماني بإقدار اللّه تعالى إياه، قالوا وتحديد هذه المسافة هو أن ثخن الأرض الواحدة خمسمائة عام، وبين كل أرضين مثلها، وبين الأرض العليا والسماء كذلك، وثخن كل سماء وما بينهما كذلك، وما بين السماء العليا ومقعر الكرسي كذلك، فيكون المجموع أربعة عشر ألف سنة، ومن مقعر الكرسي إلى العرش مسيرة أحد عشر ألف سنة، فبلغت مدة العروج خمسة وعشرين ألف سنة، ومثلها في النزول، فيكون خمسين ألف سنة، ومما يدل على أن المراد صعود وهبوط ما قدمناه في الآية 5 من سورة السجدة المارة، وقيل إن المواطن في القيامة خمسون موطنا، وكل موطن ألف سنة من سني الدنيا، قال تعالى: {وإِنّ يوْما عِنْد ربِّك كألْفِ سنةٍ مِمّا تعُدُّون} الآية 47 من سورة الحج، وهذه مظهر من مظاهر (النون) في قوله تعالى: {كُنْ فيكُونُ} فإنه بحروف الجمل خمسون، فهذه المواطن كلها بالنسبة إلى اللّه تعالى لحظة واحدة أقل من لفظكم أيها الناس بحرف النون، وهذا التقدير بالنسبة إلينا، لأن يوم الآخرة لا نهاية له، ولا يقدر بزمان، إذ لا شمس ولا قمر، وللصوفية فيه أقوال كثيرة وتفصيلات بديعة ضربنا عنها صفحا لطولها وكثرتها، لأن كلّا منهم رضي اللّه عنهم ذكر مما أودعه اللّه في قلبه المخلّى عن غيره المحلّى به، وبين ما أفاض اللّه عليه فيه اكتفاء بما أخرجه الإمام أحمد وابن شعبان وأبو يعلى وابن جرير والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنهم قال: سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {فِي يوْمٍ كان مِقْدارُهُ خمْسِين ألْف سنةٍ} ما أطول هذا اليوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من مكتوبة يصليها في الدنيا.»
وما روي عن عبد اللّه بن عمر «يوضع للمؤمنين يومئذ كراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام ويقصر عليهم ذلك ويهون حتى يكون كيوم من أيامكم هذه.»
فيفهم منه أن طول المدة تكون على الكافرين المعذبين لشدة ما يلاقونه وهول ما يعانون، ولا بدع بأن يكون طويلا على أناس قصيرا على آخرين، قال الشاعر في هذا المعنى:
من قصر الليل إذا زرتني ** أشكو وتشكين من الطول

وقال آخر:
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما ** بالطول والطول يا طوبى لو اعتدلا

يجود بالطول ليلي كلما بخلت ** بالطول ليلى وإن جادت به بخلا

الألف فيه للإطلاق والروى، وإلا فهو مفرد يعود على الليل، وقول الآخر في هذا أيضا:
ويوم كظل الرمح قصّر طوله ** دم الزقّ عنا واصطفاق المزاهر

قال تعالى: {فاصْبِرْ صبْرا جمِيلا} 5 لا جزع فيه، راجع الآية 83 من سورة يوسف المارة {إِنّهُمْ} كفرة قومك {يروْنهُ} أي العذاب الذي أو عدتهم به {بعِيدا ونراهُ قرِيبا} 6 7 لأنه آتيهم حتما وكل آت قريب لاسيما وأن إنزاله بيدنا لا يمنعنا من صبه عليهم مانع، وليعلموا أن علامته نزول العذاب الأكبر الذي لابد من وقوعه، لأن عذاب الدنيا قد يكون وقد لا يكون لأسباب نعلمها، أما عذاب الآخرة فيكون {يوْم تكُونُ السّماءُ كالْمُهْلِ} 8 مثل عكر الزيت أو الفضة المذابة {وتكُونُ الْجِبالُ كالْعِهْنِ} 9 الصوف المصبوغ ألوانا كثيرة لأن الجبال ذات ألوان منها الأحمر والأسود والأصفر والأبيض، فتكون هباء منثورا كالصوف المندوف إذا طيرته الرياح، إنما شبهها بالصوف لأنها إذا لبست بعضها ببعض بأن خلطت وسيرت أشبهته بألوانه المذكورة وما بينها {ولا يسْئلُ} حينذاك {حمِيمٌ حمِيما} 10 عن حاله وما حل به، لا لأنهم لا يرى بعضهم بعضا، ولكن لشدة الهول، إذ يشتغل كل بنفسه، ولهذا قال تعالى: {يُبصّرُونهُمْ} يشاهدونهم ويعرفونهم، ولكن لا يتكلمون معهم، ولشدة الفزع {يودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ وصاحِبتِهِ} 11 زوجته التي لا يمكن أن يفتدي بها في الدنيا إلا أن يطلقها، أما في الآخرة فإنها تهون عليه وينسى الغيرة والمروءة {وأخِيهِ} 12 أيضا لو قدر أن يفدي نفسه به لفداها {وفصِيلتِهِ} عشيرته {الّتِي تُؤْوِيهِ} 13 بالدنيا مما يخاف ويأوي إليها عند الشدائد لو أمكن لفداها كلها بنفسه، بل {ومنْ فِي الْأرْضِ جمِيعا} لو كان في ملكه وأمكنه قبول الفداء بهم {ثُمّ يُنْجِيهِ} 14 من عذاب اللّه لفعل، ولكن لا ينجيه شيء أبدا إلا رحمة اللّه وهي بعيدة منه، راجع الآية 34 من سورة عبس، قال تعالى: {كلّا} لا ينجيه أحد أصلا {إِنّها} المخصصة لعذاب المجرم هي {لظى} 15 أحد طبقات جهنم المعدة لمن يثبت عليه الجرم العظيم في الموقف بعد الحساب ويحكم عليه بفصل القضاء بأن يعذب فيها، ولا يسمى مجرما إلا بعد ذلك، وهكذا في الدنيا يكون مدعى عليه بمجرد الدعوى عليه، وعند وجود امارة على اقترافه الجرم يسمى ظنينا، وعند تواتر الأدلة يسمى متهما، وعند الثبوت يسمى مجرما، ثم محكوما.
ومن أوصاف هذه النار أنها {نزّاعة لِلشّوى} 16 أطراف الجسد كاليدين والرجلين بمجرد طرحهم فيها، والنزع الجذب بقوة، أي أنها مفرقة لأعضاء الإنسان {تدْعُوا} إليها كل {منْ أدْبر} عن الإيمان {وتولّى} 17 عن الحق {وجمع} مالا من غير حله {فأوْعى} 18 خزنه في الأوعية ولم ينفقه في وجوه البر ولم يؤد حق اللّه منه لعياله.
وقال بعضهم معنى أوعى تعذّب يقول الأعرابي: وهاك اللّه أي عذّبك.
ومن ورع عبد اللّه بن حكيم أنه كان لا يربط كيسه، فقيل له في ذلك فقال سمعت اللّه يقول جمع فأوعى، ومتى ما ربطته فقد أوعيته.
{إِنّ الْإِنْسان خُلِق هلُوعا} 19 جنسا وجبلة طبع على الهلع الذي فسره اللّه بقوله: {إِذا مسّهُ الشّرُّ جزُوعا وإِذا مسّهُ الْخيْرُ منُوعا} 20 21 وإذا أعطي المال لم ينفق، وإذا أصابه الفقر لم يصبر، ثم استثنى اللّه عز وجل من ذلك الجنس نوعا مخصوصا بقوله: {إِلّا الْمُصلِّين} 22 وهذا استثناء اجمع من الواحد الذي فيه معنى الجمع كالإنسان، ثم وصف المصلين بقوله: {الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون} 23 مواظبون على إقامتها {والّذِين فِي أمْوالِهِمْ حقٌّ معْلُومٌ} 24 عندهم فرضوه على أنفسهم بحسب ما تجود به أنفسهم وأريحيتهم وخصصوه {لِلسّائِلِ والْمحْرُومِ} 25 المتعفف عن السؤال الذي يظن به عدم الحاجة {والّذِين يُصدِّقُون بِيوْمِ الدِّينِ} 26 يوم القضاء والجزاء {والّذِين هُمْ مِنْ عذابِ ربِّهِمْ مُشْفِقُون} 27 خائفون وجلون {إِنّ عذاب ربِّهِمْ غيْرُ مأْمُونٍ} 28 فلا يقدر أحد مهما كان على درجة عالية في الإخلاص أن يقطع بأمنه من عذاب اللّه، إذ لا يخلو من التقصير بحقه، والأعمال الصالحة مهما كثرت لا توازي نعمة جارحة واحدة من الإنسان {والّذِين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون} 29 صائنون لها عن كل ما حرم اللّه {إِلّا على أزْواجِهِمْ} يشمل الرجال والنساء والعبيد والإماء {أوْ ما ملكتْ أيْمانُهُمْ} خاص بالذكور فقط، إذ لا يحل للنساء إلا الاستفادة من خدمتهم فقط {فإِنّهُمْ غيْرُ ملُومِين} 30 بذلك وإن كثروا من الزوجات والإماء ضمن حدود الشرع {فمنِ ابْتغى وراء ذلِك} من الزوجات والإماء للرجال ومن الأزواج فقط للنساء {فأُولئِك هُمُ العادُون} 31 المتجاوزن ما أحلّ اللّه لهم إلى ما حرم عليهم، وقد فصلنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 6 من سورة المؤمنين المارة، وذكرنا أيضا بأنها ليست بناسخة لآية المتعة المزعومة الواردة في سورة النساء ج 3 فراجعها، {والّذِين هُمْ لِأماناتِهِمْ وعهْدِهِمْ راعُون} 32 محافظون لا يخونون الأمانة ولا ينقضون العهد ولا يخلفون الوعد ولا يغدرون ولا ينكثون، راجع الآية 8 من سورة المؤمنين والآية 34 من الإسراء، {والّذِين هُمْ بِشهاداتِهِمْ قائِمُون} 33 بها أمام الحكام لإظهار الحقوق بلا ميل ولا ترجيح بين القوي والضعيف والوضيع والشريف، راجع الآية 32 من سورة الفرقان ج 1، وله صلة في الآية 283 من سورة البقرة ج 3، {والّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ يُحافِظُون} 34 على أوقاتها وشروطها وأركانها على أكمل وجه، راجع الآية 8 من سورة المؤمنين المارة، ولها صلة في الآية 238 من البقرة أيضا، {أُولئِك} الجامعون لهذه الصفات الكريمة {فِي جنّاتٍ مُكْرمُون} 35 عند ربهم، ويؤذن وصف المصلّين بما ذكر أن الصلاة وحدها ما لم تكن تلك الصفات منضمة إليها لا تكفي للخلاص من اللّه ولا تؤهل صاحبها دخول الجنة بانفرادها، وهو كذلك واللّه أعلم {فمالِ الّذِين كفرُوا} أي شيء جرى لهم ما بالهم {قِبلك} يا سيد الرسل {مُهْطِعِين} 36 مادي أعناقهم نحوك وهم مديمو النظر إليك متطلعون لحهتك {عنِ الْيمِينِ وعنِ الشِّمالِ عِزِين} 37 جماعات وفرقا محلّقين بأطرافك، يستهزئون بك وبما أنزل عليك، نزلت هذه الآية في جماعة من قريش كانوا يحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه ولا يتأثرون منه، ويقولون إن دخل أصحاب محمد الجنة التي يذكرها ويصفها بقوله لندخلنها قبلهم.
فرد اللّه عليهم بقوله: {أ يطْمعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أنْ يُدْخل جنّة نعِيمٍ} 38 مثل أصحابك {كلّا} يا سيد الرسل لا يدخلونها أبدا ماداموا على كفرهم، لأن أمثالهم ليسوا من أهل الجنة، إذ لا يدخلها إلا الطاهرون من الشرك والكفر {إِنّا خلقْناهُمْ مِمّا يعْلمُون} 39 من نطفة قذرة، وهذه الجملة جارية مجرى المثل تعريضا عما يستقبح ذكره، لأن النطفة من مصب يتحاشى عن التصريح به، ولذلك أبهمه تعالى وتنزه.
وهذا من آداب القرآن العظيم الواجب على الناس التأدب بآدابه، وأن يجتنبوا التصريح في كل ما من شأنه كتمه بل يومئون إليه إيماء ويعرضون تعريضا، والمعنى أن هؤلاء الكفار يدعون الشرف والفضل على أصحاب محمد، وهم وإن كانوا جميعا خلقوا من أصل واحد وشيء واحد كما ذكروا، إلا أن البشر يتفاضل بالأعمال والمعارف، والجنة لا تكون إلا للصالحين من البشر المخلصين، لا للأكابر والأغنياء وأهل الأنساب غير المتصفين بالصلاح.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن بشر بن جحاش قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم- وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه- فقال يقول اللّه عز وجل: «يا ابن آدم أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق، وآن أوان الصدقة».
{فلا} ليس الأمر كذلك {أُقْسِمُ بِربِّ الْمشارِقِ والْمغارِبِ} مشرق كل يوم من السنة ومغربها {إِنّا لقادِرُون} 40 على إهلاكهم جميعا بلحظة واحدة و{على أنْ نُبدِّل خيْرا مِنْهُمْ} فتخلق خلقا أحسن منهم طاعة وتصديقا كما أهلكنا القرون الأولى واستبدلنا بهم غيرهم وهو أهون علينا {وما نحْنُ بِمسْبُوقِين} 41 ولا عاجزين عن ذلك ولا مغلوبين عليه ولا يفوتنا أحد بذلك {فذرْهُمْ} يا سيد الرسل {يخُوضُوا} في أباطيلهم {ويلْعبُوا} في لهوهم {حتّى يُلاقُوا يوْمهُمُ الّذِي يُوعدُون} 42 وهو {يوْم يخْرُجُون مِن الْأجْداثِ} القبور {سِراعا} لإجابة الداعي يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية {كأنّهُمْ إِلى نُصُبٍ} شيء منصوب كالعلم والراية وشبهها {يُوفِضُون} 43 يستبقون إليه أيهم يصله قبل كما كانوا يتسابقون إلى أصنامهم في الدنيا ولكنهم {خاشِعة أبْصارُهُمْ} لما لحقهم من الخوف والفزع والهوان خاضعين {ترْهقُهُمْ ذِلّةٌ} وتعشاهم مذلّة وحقار بخلاف حالتهم في الدنيا، إذ كانوا ضاحكين بهيجين لأنهم لم يحسبوا لهذا اليوم حسابه {ذلِك} اليوم الموصوف بما ذكر الذي ظهر لهم عيانا واعترفوا به {الْيوْمُ الّذِي كانُوا يُوعدُون} 44 به على لسان رسلهم في الدنيا والذي كانوا يكذبون به.
وقد ختمت هذه السورة بمثل ما ختمت به سورة الذاريات فقط.
هذا واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. اهـ.